سورة المؤمنون - تفسير تفسير النسفي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (المؤمنون)


        


{وَإِنَّ هذه} كوفي على الاستئناف. {وأن} حجازي وبصري بمعنى ولأن أي فاتقون لأن هذه، أو معطوف على ما قبله أي بما تعملون عليم وبأن هذه. أو تقديره واعلموا أن هذه {أُمَّتُكُمْ} أي ملتكم وشريعتكم التي أنتم عليها.
{أُمَّةً وَاحِدَةً} ملة واحدة وهي شريعة الاسلام. وانتصاب {أمة} على الحال والمعنى وإن الدين دين واحد وهو الاسلام ومثله {إِنَّ الدّينَ عِندَ الله الإسلام} [آل عمران: 19] {وَأَنَاْ رَبُّكُمْ} وحدي {فاتقون} فخافوا عقابي في مخالفتكم أمري {فَتَقَطَّعُواْ أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ} تقطع بمعنى قطع أي قطعوا أمر دينهم {زُبُراً} جمع زبور أي كتباً مختلفة يعني جعلوا دينهم أدياناً. وقيل: تفرقوا في دينهم فرقاً كلٍ فرقة تنتحل كتاباً. وعن الحسن: قطعوا كتاب الله قطعاً وحرفوه. وقرئ {زَبرا} جمع زبرة أي قطعاً {كُلُّ حِزْبٍ} كل فرقة من فرق هؤلاء المختلفين المتقطعين دينهم {بِمَا لَدَيْهِمْ} من الكتاب والدين أو من الهوى والرأي {فَرِحُونَ} مسرورون معتقدون أنهم على الحق {فَذَرْهُمْ فِى غَمْرَتِهِمْ} جهالتهم وغفلتهم {حتى حِينٍ} أي إلى أن يقتلون أو يموتوا.
{أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ} (ما) بمعنى الذي وخبر (أن)
{نُسَارِعُ لَهُمْ فِى الخيرات} والعائد من خبر (أن) إلى اسمها محذوف أي نسارع لهم به، والمعنى أن هذا الإمداد ليس إلا استدراجاً لهم إلى المعاصي وهم يحسبونه مسارعة لهم في الخيرات ومعالجة بالثواب جزاء على حسن صنيعهم. وهذه الآية حجة على المعتزلة في مسألة الأصلح لأنهم يقولون إن الله لا يفعل بأحد من الخلق إلا ما هو أصلح له في الدين، وقد أخبر أن ذلك ليس بخير لهم في الدين ولا أصلح {بَل لاَّ يَشْعُرُونَ} بل استدراك لقوله أيحسبون أي أنهم أشباه البهائم لا شعور لهم حتى يتأملوا في ذلك أنه استدراج أو مسارعة في الخير. ثم بين ذكر أوليائه فقال:


{إِنَّ الذين هُم مّنْ خَشْيةِ رَبّهِمْ مُّشْفِقُونَ} أي خائفون {والذين هُم بئايات رَبَّهِمْ يُؤْمِنُونَ} أي بكتب الله كلها لا يفرقون بين كتبه كالذين تقطعوا أمرهم بينهم وهم أهل الكتاب {والذين هُم بِرَبّهِمْ لاَ يُشْرِكُونَ} كمشركي العرب {والذين يُؤْتُونَ مَا ءاتَواْ} أي يعطون ما أعطوا من الزكاة والصدقات. وقريء {يأتون ما أتوا} بالقصر أي يفعلون ما فعلوا {وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} خائفة أي لا تقبل منهم لتقصيرهم {أَنَّهُمْ إلى رَبّهِمْ راجعون} الجمهور على أن التقدير لأنهم وخبر {إن الذين} {أُوْلَئِكَ يسارعون فِى الخيرات} يرغبون في الطاعات فيبادرونها {وَهُمْ لَهَا سابقون} أي لأجل الخيرات سابقون إلى الجنات أو لأجلها سبقوا الناس.
{وَلاَ نُكَلّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا} أي طاقتها يعني أن الذي وصف به الصالحون غير خارج عن حد الوسع والطاقة، وكذلك كل ما كلفه عباده وهو رد على من جوز تكليف ما لا يطاق {وَلَدَيْنَا كِتَابٌ} أي اللوح أو صحيفة الأعمال {يَنطِقُ بالحق وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ} لا يقرؤون منه يوم القيامة إلا ما هو صدق وعدل لا زيادة فيه ولا نقصان، ولا يظلم منهم أحد بزيادة عقاب أو نقصان ثواب أو بتكليف ما لا وسع له به {بَلْ قُلُوبُهُمْ فِى غَمْرَةٍ مّنْ هذا} بل قلوب الكفرة في غفلة غامرة لها مما عليه هؤلاء الموصوفون من المؤمنين {وَلَهُمْ أعمال مّن دُونِ ذلك} أي ولهم أعمال خبيثة متجاوزة متخطية لذلك أي لما وصف به المؤمنون {هُمْ لَهَا عاملون} وعليها مقيمون لا يفطمون عنها حتى يأخذهم الله بالعذاب {حتى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ} متنعميهم {بالعذاب} عذاب الدنيا وهو القحط سبع سنين حين دعا عليهم النبي عليه الصلاة والسلام، أو قتلهم يوم بدر. و(حتى) هي التي يبتدأ بعدها الكلام والكلام الجملة الشرطية {إذا هم يجئرون} يصرخون استغاثة والجؤار الصراخ باستغاثة فيقال لهم:


{لاَ تَجْئَرُواْ اليوم} فإن الجؤار غير نافع لكم {إِنَّكُمْ مّنَّا لاَ تُنصَرُونَ} أي من جهتنا لا يلحقكم نصر أو معونة.
{قَدْ كَانَتْ ءايَتِى تتلى عَلَيْكُمْ} أي القرآن {فَكُنتُمْ على أعقابكم تَنكِصُونَ} ترجعون القهقرى والنكوص أن يرجع القهقرى وهو أقبح مشية لأنه لا يرى ما وراءه.
{مُسْتَكْبِرِينَ} متكبرين على المسلمين حال من {تنكصون} {بِهِ} بالبيت أو بالحرم لأنهم يقولون لا يظهر علينا أحد لأنا أهل الحرم، والذي سوغ هذا الإضمار شهرتهم بالاستكبار بالبيت أو ب {آياتي} لأنها في معنى كتابي، ومعنى استكبارهم بالقرآن تكذيبهم به استكباراً. ضمن مستكبرين معنى مكذبين فعدي تعديته أو يتعلق الباء بقوله {سامرا} تسمرون بذكر القرآن وبالطعن فيه، وكانوا يجتمعون حول البيت يسمرون وكانت عامة سمرهم ذكر القرآن وتسميته شعراً وسحراً. والسامر نحو الحاضر في الإطلاق على الجمع وقرئ {سمّارا}. أو بقوله {تَهْجُرُونَ} وهو من الهجر الهذيان {تهجرون}: نافع من أهجر في منطقه إذا فحش {أَفَلَمْ يَدَّبَّرُواْ القول} أفلم يتدبروا القرآن ليعلموا أنه الحق المبين فيصدقوا به وبمن جاء به {أم جَآءَهُم مَّا لَمْ يَأْتِ ءابَاءهُمُ الأولين} بل أجاءهم ما لم يأت آباءهم الأولين فلذلك أنكروه واستبدعوه {أَمْ لَمْ يَعْرِفُواْ رَسُولَهُمْ} محمداً بالصدق والأمانة ووفور العقل وصحة النسب وحسن الأخلاق أي عرفوه بهذه الصفات {فَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ} بغياً وحسداً {أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ} جنون وليس كذلك لأنهم يعلمون أنه أرجحهم عقلاً وأثقبهم ذهناً {بَلْ جَاءهُمْ بالحق} الأبلج والصراط المستقيم وبما خالف شهواتهم وأهواءهم وهو التوحيد والإسلام ولم يجدوا له مرداً ولا مدفعاً فلذلك نسبوه إلى الجنون {وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقّ كارهون} وفيه دليل على أن أقلهم ما كان كارهاً للحق بل كان تاركاً للإيمان به أنفة واستنكافاً من توبيخ قومه وأن يقولوا صبأ وترك دين آبائه كأبي طالب.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8